إتسعت رقعة الفقر في لبنان على وقع أزماته السياسية والاقتصادية وانعدام خطط التنمية في بلد يبلغ دين الدولة فيه 73 مليار دولار، حيث انعكست الأوضاع السياسية بالبلاد على الاقتصاد وأدت إلى إحجام الاستثمارات الداخلية والخارجية وإقفال عدد من المؤسسات مما حال دون خلق فرص عمل للمواطنين وتزايد معدلات البطالة.
ويبلغ عدد اللبنانيين تحت خط الفقر 1,5 مليون وعدد اللبنانيين فوق خط الفقر 2,5 مليون نسمة، إضافة إلى 178,200 لاجئ فلسطيني تحت خط الفقر و91,800 لاجئ فلسطيني فوق خط الفقر، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة بصفتهم لاجئين تحت خط الفقر 720 الفاً، واللاجئين السوريين المسجلين فوق خط الفقر 780 الفاً، وذلك وفقا لما أوردته دراسة للأمم المتحدة حول الفقر في لبنان تحت عنوان “الحاجات ذات الأولوية”.
وأظهرت الدراسة ارتفاع نسبة أعداد الفقراء في لبنان بنسبة 61 في المئة منذ العام 2011 لغاية العام الماضي وأن 28,55 في المئة من سكان لبنان يعيشون بأقل من أربعة دولارات يومياً.
وفي هذا السياق، كشف رشيد درباس وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية “قنا” عن أن الوزارة تلقت 500 الف طلب من أسر لبنانية أعلنت فقرها ضمن “البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا” الذي أطلقته الوزارة مؤخراً بهدف دعم الأسر الفقيرة في لبنان، مشيراً إلى أنه تم تصنيف 300 الف من أصل 500 الف ضمن الأسر الأكثر فقراً، حيث تم إعطاء هؤلاء بطاقات تطلق عليها الوزارة اسم “بطاقة حياة ” لتقديم خدمات استشفائية وتعليمية وبعضها يقدم خدمات غذائية.
ورأى أن من أسباب الفقر هو انخفاض نسبة النمو في لبنان من 9 بالمائة العام 2010 إلى ما بين 1 و 2 بالمائة حاليا، إضافة إلى فقدان العديد من الموارد كخدمات الترانزيت والخدمات البرية وانخفاض مردود السياحة بسبب إحجام السياح العرب عن زيارة لبنان.
كما لفت الى التداعيات السلبية للأزمة السياسية في لبنان جراء الفراغ الرئاسي منذ عامين ونصف على الاقتصاد اللبناني، مشدداً على أن الوضع السياسي المضطرب له أثر كبير على تردي الوضع الاقتصادي كون الفقر سببه الرئيسي الركود الاقتصادي، مشيراً إلى تأثير النزوح السوري على ازدياد الفقر في لبنان خاصة في ظل عدم إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته من أجل مساعدة النازحين، مؤكدا تقاسم حوالي مليوني شخص غير لبناني الظروف الاجتماعية والخدماتية الصعبة مع اللبنانيين.
وقد كشفت دراسة صادرة عن إدارة الإحصاء المركزي اللبناني أن ما نسبته 20% من السكان كان نصيبهم 8% فقط من الاستهلاك الإجمالي، في حين أن 20% من السكان استهلكوا نحو 40% من إجمالي الاستهلاك.
وتشير الدراسات إلى أن 28% من اللبنانيين هم من الفقراء، أي الذين لا يبلغ مدخولهم 3.84 دولار يوميا للفرد الواحد، وهؤلاء يعتبرون الأكثر فقراً، وهذه الفئة نسبتها 8% من إجمالي السكان، يعني 20% فقراء و8% هم الأكثر فقراً أي أن دخلهم متدن بشكل كبير مقارنة مع حاجاتهم المعيشية.
ولم تكن الأوضاع الاجتماعية للبنانيين بمنأى عن الأزمة السياسية في لبنان حيث أرخى الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية بثقله على الاقتصاد مما دفع عدداً من المؤسسات الى صرف موظفيها جراء الخسائر التي تكبدتها وهو ما رفع نسبة البطالة ومعدلات الفقر.
وفي هذا الصدد أشار النائب عاطف مجدلاني رئيس لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية إلى الارتدادات السلبية للأزمة السياسية على الاقتصاد الذي أرخى بظلاله على الوضع الاجتماعي للبنانيين، مشدداً على أن ازدياد حالات الفقر في لبنان لها علاقة بالوضعين السياسي جراء الفراغ الرئاسي والاقتصادي مع انخفاض معدلات النمو، مؤكداً أهمية إنهاء الفراغ الرئاسي وإطلاق العجلة الاقتصادية من جديد.
وقال إن سوء الوضع الاجتماعي وعواقبه أي الفقر ناتج عن تردي الوضع الاقتصادي المرتبط بدوره بالوضع السياسي، لافتاً إلى التداعيات السلبية للأزمة السياسية القائمة.
وأكد أن عدم إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه النازحين السوريين له ارتدادات سلبية على البنية التحتية اللبنانية وهو ما يزيد من معاناة اللبنانيين في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان مما يؤدي إلى زيادة الفقراء في لبنان، موضحا أن لجنة الشؤون الاجتماعية النيابية تدرس وضع النازحين السوريين لما لهم من تأثير على حجم الفقر في لبنان، لافتاً إلى تواصل اللجنة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للاطلاع على أوضاع النازحين إذ تبين أن حجم المساعدات لتأمين احتياجاتهم غير كافية.
وشدد النائب عاطف مجدلاني على أن ارتفاع معدلات الفقر في لبنان يعود الى أسباب اقتصادية بشكل أساسي في ظل تراجع معدلات النمو بين 1.5 و2 بالمائة حاليا، إضافة إلى عدم وجود فرص عمل خاصة للشباب.
وقدرت منظمة العمل الدولية نسبة البطالة بين الشباب اللبناني بنسبة 22 في المائة عام 2013، فيما يقدّر البنك الدولي نسبة البطالة بين الشباب بنحو 34 في المائة، أي شاب واحد عاطل عن العمل بين كل ثلاثة على الرغم من غياب الإحصاءات الرسمية حول هذه النسبة حديثا.
وأشار البنك الدولي بوضوح الى أن هناك 40% من اللبنانيين هم تحت خط الفقر، ويتوقع أن ينحدر حوالي 170 الف مواطن لبناني لما دون خط الفقر، محذراً من تفاقم الأزمة المعيشية في لبنان.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية، على دور الدول وواجبها تجاه مواطنيها لخفض معدلات الفقر وانتشال المواطنين من براثن الفقر، مشددا على أن عدم اهتمام الحكومات بالشأن العام تؤدي إلى الصعوبة في تخفيف أعداد الفقراء.
وأوضح أن الفقر داخل الأسرة يتعلق بمستوى الدخل وهو مجموعة أجور أفراد العائلة الذين يعملون أو لا يعملون.
وشرح أن أحد أبرز أسباب الفقر في لبنان هو البطالة، مشددا على الدور الذي يجب أن تضطلع به الجهات المعنية بالدولة من أجل تحفيز الاستثمارات الداخلية وخلق مناخ استثماري ملائم لجذب الاستثمارات الخارجية، مؤكدا أن إيجاد فرص العمل يولد مداخيل ويخلق فرص عمل للناس وهو ما يحد من توسع رقعة الفقر.
وبين أن الموضوع الصحي هو أحد أسباب الفقر أيضا مشدداً على ضرورة توفر بطاقة استشفائية للجميع في لبنان، لافتاً إلى أن 25 بالمائة من اللبنانيين لا يوجد عندهم ضمان صحي وبالتالي في حالة المرض ينفقون ما لديهم من ادخار مما يؤدي بهم إلى حالة الفقر.
ويرى الخبير الاقتصادي أن عدم توفر مساعدات للعائلات الكبيرة من قبل الدول هو أحد أسباب الفقر، لافتا إلى عدم توفر برنامج المساعدات المالية من قبل الدولة اللبنانية للعائلات الكبيرة.
كما لفت إلى أن النزوح السوري الكثيف هو أحد أسباب الفقر أيضا، وذلك مع وجود مليون ونصف نازح بالتزامن مع عدم وجود مساعدات كافية لهم من قبل المجتمع الدولي وهو ما يؤثر سلباً على البنى التحتية المترهلة الى جانب ما سماها بـ “دورة اقتصادية سورية متكاملة في لبنان تتضمن وجود منتج سوري وعمال سوريين والزبون السوري إلى جانب إحلال العمالة السورية بدل العمالة اللبنانية وهو ما يؤدي إلى الإفقار”.
وتشير خريطة توزع اللاجئين واللبنانيين الأكثر فقراً أو ضعفاً كما تصفهم الأمم المتحدة، أن ثمة مليوني شخص يوصفون بالضعفاء ويتواجدون في 242 منطقة عقارية موزعة على كل لبنان من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب مروراً بسهل البقاع والعاصمة بيروت ومحيطها، ويعيشون جميعاً وسط تدهور خطير وسريع على صعيد التوترات الاجتماعية والفقر بما يفوق قدرة الدولة والمؤسسات والبنى التحتية على تلبية الحاجات المتعاظمة. ويتوزع هؤلاء “الضعفاء” أو الفقراء بين 86 في المائة لاجئين سوريين و68 في المائة لبنانيين.
المصدر: وزارة الشؤون الإجتماعية/لبنان.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.