الحُديدة، اليمن — تقول «مارية» ذات الأعوام الخمسة عشر عن أختها «دعاء»: “لم أصدق أنها كانت لا تزال على قيد الحياة حتى رأيتها بنفسي”
كانت «دعاء» البالغة من العمر عاماً واحداً تعاني من مضاعفات سوء التغذية الحاد الوخيم، بما في ذلك الالتهاب الرئوي، بيد أن المركز الصحي الأقرب كان على مسافة ساعة كاملة بالسيارة. ولم يكن والدها «حسين» على يقينٍ من أن صغيرته ستبقى على قيد الحياة الى حين الوصول إلى المستشفى.
يستذكر حسين تلك اللحظات بقوله: “كنت على يقينٍ تامٍ بأنها لن تنجو، ولكنني لم أستسلم”. ويضيف أنه اضطر إلى اقتراض المال ليوصل طفلته إلى مركز العلاج فحسب.
“كنت على يقينٍ تامٍ بأنها لن تنجو، ولكنني لم أستسلم”
كانت دعاء واحدةً من آلاف الأطفال الذين يعانون من أشدّ أنواع نقص التغذية وأكثرها وضوحاً في اليمن، وذلك مع دخول النزاع عامه الرابع واستمراره في التسبّب بخسائر فادحة على الأُسر هناك. يعاني 10 ملايين شخصٍ تقريباً في اليمن من الجوع الشديد، بينما أصاب سوء التغذية الحاد الوخيم 360 ألف طفل دون الخامسة من العمر.
وعلى وجه الخصوص، تتجلّى المعاناة بأشدّ صورها في مدينة الحُديدة الساحلية، فقد أحالت الاشتباكات المستمرة وارتفاع الأسعار الحاد وانعدام الخدمات الأساسية حياة السكّان إلى جحيمٍ لا يطاق، حيث تصارع الأسر للحصول على الغذاء بأسعار معقولة.
يقول الطبيب «ضياء الحق العمري» العامل في المركز: “حين وصلت دعاء إلى المركز، قدّمنا لها العلاج الطبيّ وأعطيناها الحليب الصناعي إلى أن تحسّنت حالتها”. ويشير الطبيب إلى أن المركز لا يكتفي فقط بتوفير التغذية للأطفال في أمس الحاجة إليها، بل يضم أيضاً مرشدةً صحيّةً متاحةً دائماً لمدّ الأمّهات بمعلومات مفيدة من قبيل كيفية تحضير وجبات طعامٍ تضمّ أعلى قيمةٍ غذائيةٍ ممكنة.
يقول «العمري»: “صحيح أننا نستطيع تقديم العلاج لمن يأتي إلى هنا، ولكن هذا لن يكون كافياً على الإطلاق”. ويضيف الطبيب أن الظروف الاقتصادية الشاقّة التي تواجه أسرة دعاء قد تعاود إلحاق ضررٍ كبيرٍ بصحّة الطفلة في المستقبل.
“إننا معدمون، وما من أحدٍ يساعدنا”
يقول حسين إنه حتى قبل اندلاع النزاع، وحين كانت أسعار السّلع الأساسية معقولةً أكثر، كان يكافح لتلبية أمور معيشة أسرته. والآن، وبعد مضيّ أربع سنوات شداد، لم يعد المال الذي يجنيه من صنعة الأسرّة ذات الحبال والتي تشتهر في أوساط السكان المحليين، كافياً لتغطية تكاليف إطعام أسرته.
يعيش حسين مع والدته وزوجته وأطفاله في بيتٍ صغيرٍ مشيّدٍ من الطين والقشّ في الحُديدة. وقد زيّنت الأسرة جدران البيت ببعض الرسومات، على الرغم من أنّه ربّما يتهدّم في أي وقتٍ في حال هطول المطر.
تقول والدة حسين: “يعمل ولدي بكدٍّ سعياً إلى إعالتنا. ولكن، ما باليد حيلة”. وتختم حديثها بحرقة شديدة: “إننا معدمون، وما من أحدٍ يساعدنا”.
وتعاني زهرة، والدة دعاء، هي الأخرى من متاعب صحية. وقد اضطرّت إلى بيع حليّها لتسدّد ثمن العلاج. وبعاطفة الأم التي تتناسى الألم أمام سعادة أطفالها، أعربت زهرة عن سعادتها بأن دعاء تبدو بصحة جيدة منذ عودتها إلى المنزل بفضل العلاج الذي تلقّته.
وتقول: “لم أكن أعتقد أن دعاء ستعود إلى المنزل حيّة. ولكنّ العاملين الصحيّين في مركز العلاج أعطوها الدواء وحليب الأطفال اللذين كانت بحاجتهما، ولهذا فإنها بحالٍ جيدٍ الآن”.
يقول حسين: “يكفيني ان أرى طفلتي عادت إلى البيت على قيد الحياة، ضاحكةً ولا تفارق البسمة شفاهها”.
المصدر: اليونيسيف
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.