يُحتجز سنويًا أكثر من 300 ألف طفل في سياق الهجرة، ومن المعروف أن 77 دولة تحتجز الأطفال لأغراض تتعلق بالهجرة، بحسب ما أشارت إليه مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان.
ولا يحصل الأطفال الذين يقومون بالرحلة بمفردهم على الدعم الحيوي الذي يحتاجون إليه للمّ شملهم بأسرهم، وغالبًا ما يواجهون عواقب وخيمة على طول الطريق.
وقد أعلنت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، قائلة: “إنّ الطفل المنفصل عن أسرته أكثر عرضة للعنف وسوء المعاملة والإهمال. وقد يُجبر على العيش بمفرده، أو على تلقّي الرعاية من أشخاص لا يهتمّون حقيقةً بمصالحه الفضلى.”
وأدلت باشيليت بتعليقاتها هذه خلال حلقة نقاش رفيعة المستوى تناولت لمّ شمل الأسرة ونُظِّمَت ضمن إطار الاجتماع السنوي بشأن حقوق الطفل، الذي يمتدّ على يوم كامل. وعُقِدت الجلسة الافتراضية خلال دورة مجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف بسويسرا.
طفولة ضائعة
عندما كان إدواردو في الـ10 من عمره، هاجر مع والدته إلى جنوب أفريقيا. وأثناء الرحلة، مرضت والدته وتوفيت. وكان قد انفصل أصلاً عن والده وإخوته قبل أن يغادر وطنه بسبب الاضطرابات المدنية.
وشرح قائلاً: “إنّ نشأتنا منفصلين عن أسرتنا تجردنا من الفرح ومن عيش طفولتنا بملئها. ولا يعرف الكثير من الأطفال مثلي معنى أن ننشأ ونكبر في كنف أسرة. ويتسبب ذلك في العديد من المشاكل النفسية التي أثرت فينا ولربما لا تزال تؤثر فينا إلى حين نبلغ سنّ الرشد.”
أوضح إدواردو أن بعض التحديات الأساسية التي تواجه الأطفال المنفصلين عن أسرتهم هي الافتقار إلى الوثائق والمأوى المناسب وفرص التعليم والحب والإرشاد الأبوي.
ويتعاون إدواردو الذي أصبح اليوم في الـ17 من عمره، مع شبكة أطفال في جنوب أفريقيا هي منظمة إنقاذ الطفولة غير الربحية – فرع جنوب أفريقيا، وذلك ضمن إطار برنامجها المخصّص للهجرة وحقوق الطفل.
وأكّد قائلاً: “لقد منحتنا هذه الشبكات كأطفال، مساحة ومنصة كي نقدّم مساهماتنا وندرك أن أصواتنا مهمة.”
وأفادت القائدة العالمية لشؤون الأطفال اللاجئين والمهاجرين والمشردين في منظمة إنقاذ الطفولة دانييلا ريالي، بأنّ حالات الأطفال المفجعة، مثل حالة إدواردو، شائعة جدًا، وقد لا يملك الآباء في الكثير من الأحيان أي خيار آخر سوى ترك رعاية أطفالهم للآخرين. وشاركَت قصة رفعت الذي يبلغ من العمر 15 عامًا وأجبره والداه على مغادرة سوريا بمفرده لأنهما كانا قلقين من أنه سيُجبر على المشاركة في الحرب.
وأخبرت قائلة: “أكّد رفعت أن هذا هو الخيار النهائي المتاح أمام أسرته لإنقاذ حياته.”
وأشارت المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، فينوالا ني أولاين إلى أنّ حوالى 100,000 طفل يقبعون في معسكرات الاعتقال في مناطق النزاع السوري، حيث يُفترض أن فتيانًا لم يبلغوا بعد الـ10 من عمرهم من المتطرفين العنيفين والإرهابيين.
وقالت: “لقد أعربت عن قلقي أكثر من مرّة حيال أكثر من 850 مراهقًا من جنسيات مختلفة محتجزين لأسباب زائفة متعددة، وأحيانًا برفقة رجال، في مراكز الاحتجاز العديدة في شمال شرق سوريا.”
ودعا المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين فيليبي غونزاليز موراليس من جهته، الدول إلى “إنهاء احتجاز الأطفال المهاجرين وتوفير الرعاية البديلة الملائمة لهم وضمان الاستقبال المناسب لجميع الأطفال المهاجرين وأسرهم، ما يعزز حقوق الأطفال ورفاههم.”
كما حث الدول على تعزيز النظم الوطنية القائمة لحماية الأطفال ورفاههم وإدماج الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم في هذه النظم بدون أي تمييز. وأكّد أنّه ينبغي اعتبار ترتيبات رعاية الأسرة مؤقتة، فيما يستمرّ البحث عن الأسرة وإلى حين يتم لم شمل الأطفال بأسرهم.
وصرّحت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فرجينيا غامبا، أنّ الأطفال معرضون أيضًا لخطر الاختطاف والاتجار والتجنيد في مناطق النزاع.
وقالت: “للأسف، حتى عندما يتمكن الفتيان والفتيات من العودة إلى أسرهم ومجتمعاتهم، غالبًا ما يُقابلون بالرفض ويتعرّضون للوصم والعنف والتمييز. وفي بعض الحالات، يُحرمون أيضًا من الوثائق اللازمة التي تمكّنهم مم الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم. وفي حالة الأطفال الأجانب، غالبًا ما ترفض البلدان الأصلية إعادتهم إلى أوطانهم، إما بمفردهم وإما مع أمهاتهم بسبب مخاوف أمنية.”
تعزيز سياسات حماية الطفل
أوضح مدير وحدة حماية الطفل في اليونيسف كورنيليوس ويليامز، أنه في سياق النزاعات المسلحة ونزوح السكان الجماعي والأزمات الإنسانية الأخرى، يتعرض الأطفال لخطر الانفصال عن أسرهم أو غيرهم من البالغين المسؤولين عن رعايتهم ودعمهم. وفي العام 2020، وثّقت اليونيسف وشركاؤها أكثر من 180,000 طفل غير مصحوبين بذويهم ومنفصلين عن أسرهم يحتاجون إلى الدعم في جميع أنحاء العالم.
وأكّد قائلاً: “إن إخفاء هؤلاء الأطفال يعني أن العدد بالتأكيد أعلى من ذلك بكثير.”
وهناك الكثير من القوانين والسياسات الدولية المعمول بها التي يتعين على الدول اتباعها، ولكنّها لا تطبّقها إلاّ بشكل محدود جدًّا. ودعت مديرة وحدة القانون الدولي والسياسة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدكتورة هيلين دورهام، جميع الدول إلى الامتثال للبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، وإلى تأييد مبادئ باريس المتعلقة بعدم إشراك الأطفال في النزاعات المسلّحة.
وقالت: “توفر هذه الأدوات المبادئ التوجيهية اللازمة للتعامل مع الأطفال الذين تم تجنيدهم أو احتجازهم أو يواجهون المحاكمة، على أنّهم ضحايا يستحقون حقوقهم بصفتهم أطفالًا.”
وحدّدت المفوّضة السامية باشيليت، في تقريرها بشأن حقوق الطفل ولمّ شمل الأسرة، مبادئ حقوق الطفل التي يمكن أن تساهم في صون السياسات والممارسات. كما شددت على أنه على الدول أن تعزّز السياسات والممارسات من أجل لمّ شمل الأطفال المنفصلين عن أسرهم وأوصت بمتابعة هذه المسألة على وجه السرعة على المستوى العالمي.
فقالت: “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يستمر في خذل الأطفال. ويجب احترام حق كلّ طفل في النمو في بيئة أسرية، وحمايته والوفاء به.”
كما شدّدت على ضرورة الإصغاء لأصوات الأطفال.
فقالت: “عند إعداد هذه المبادئ التوجيهية، يجب أن تبقى خبرات الأطفال وآراؤهم حاسمة في جميع الإجراءات التي تؤثر فيهم وقد تغير مجرى حياتهم.”