من بين كل ستة أشخاص، هناك شخص يتراوح عمره بين بين 10 و19 عاماً. وتشكّل المراهقة مرحلة فريدة وتكوينية. ويمكن لتغيرات بدنية وعاطفية واجتماعية متعددة، بما في ذلك المعاناة من الفقر أو إساءة المعاملة أو العنف، أن تجعل المراهقين عرضة لمشاكل الصحة النفسية. وتمثل حماية المراهقين من الشدائد، وتعزيز التعلم الاجتماعي والعاطفي، والرفاه النفسي، وضمان الحصول على الرعاية الصحية النفسية، عوامل حاسمة من أجل الصحة والرفاه خلال فترتي المراهقة والبلوغ.
وعلى الصعيد العالمي، تشير التقديرات إلى أن شخصاً من بين كل 7 أشخاص (14 في المائة) ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً يعانون من اعتلالات صحية نفسية، ومع ذلك لا تزال هذه الحالات غير معترف بها وغير معالجة إلى حد كبير.
وعلى وجه الخصوص، يتعرض المراهقون الذين يعانون من اعتلالات صحية نفسية للاستبعاد الاجتماعي والتمييز والوصم (مما يؤثر على الاستعداد لطلب المساعدة) والصعوبات التعليمية والسلوكيات المجازِفة واعتلال الصحة البدنية وانتهاكات حقوق الإنسان.
محدّدات الصحة النفسية
إن المراهقة فترة حاسمة من أجل تطوير عادات اجتماعية وعاطفية مهمة بالنسبة إلى السلامة النفسية. ويشمل ذلك اتباع أنماط نوم صحية، وممارسة الرياضة بانتظام، وتطوير مهارات التأقلم وحل المشاكل ومهارات التواصل مع الآخرين، وتعلم كيفية إدارة العواطف. وتتسم كذلك البيئات الداعمة داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي بنطاقه الأوسع بالأهمية أيضاً.
وهناك عوامل متعددة تؤثر على الصحة النفسية. وكلما زاد تعرض المراهقين لعوامل الخطر، كان التأثير المحتمل على صحتهم النفسية أكبر. وتشمل العوامل التي يمكن أن تساهم في الإجهاد خلال فترة المراهقة التعرض للشدائد، والضغط من أجل التماشي مع الأقران واستكشاف الهوية. ويمكن أن يؤدي تأثير وسائل الإعلام والمعايير الجنسانية إلى زيادة التباين بين الواقع المعاش للمراهقين وتصوراتهم أو تطلعاتهم المستقبلية. وتشمل المحددات الهامة الأخرى نوعية حياتهم المنزلية وعلاقاتهم مع أقرانهم. ومن المسلم به أن العنف (ولا سيما العنف الجنسي والتنمر) وقسوة الآباء والمشاكل الشديدة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية تشكل مخاطر بالنسبة إلى الصحة النفسية.
ويتعرض بعض المراهقين أكثر من غيرهم للإصابة باعتلالات الصحة النفسية بسبب ظروفهم المعيشية أو الوصم أو التمييز أو الإقصاء، أو عدم حصولهم على دعم وخدمات عالية الجودة. ويشمل ذلك المراهقين الذين يعيشون في أوضاع حالات إنسانية صعبة وهشة، والمراهقين الذين يعانون من مرض مزمن أو اضطراب طيف التوحد أو إعاقة ذهنية أو غيرها من الاعتلالات العصبية، والمراهقات الحوامل أو الآباء المراهقين أو المراهقين المتزوجين زواجاً مبكراً و/أو قسرياً، والأيتام، والمراهقين الذين ينتمون إلى أقليات إثنية أو خلفيات جنسية أو غيرها من الفئات التي تعاني من التمييز.
الاضطرابات العاطفية
إن الاضطرابات العاطفية شائعة في صفوف المراهقين. واضطرابات القلق (التي قد تنطوي على الذعر أو القلق المفرط) هي الاضطرابات الأكثر انتشاراً في هذه الفئة العمرية، وهي أكثر شيوعاً بين المراهقين الأكبر سناً مقارنة بالمراهقين صغار السن. وتشير التقديرات إلى أن 3.6 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، و4.6 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً يعانون من اضطراب القلق. ويُقدر بأن الاكتئاب يحدث لدى 1.1 في المائة من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، ولدى 2.8 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. ويشترك الاكتئاب والقلق في بعض الأعراض المتماثلة، بما في ذلك التغيرات السريعة وغير المتوقعة في المزاج.
وقد يؤثر القلق واضطرابات الاكتئاب تأثيراً عميقاً على الذهاب إلى المدرسة وأداء الواجبات المدرسية. ويمكن للانسحاب الاجتماعي أن يؤدي إلى مفاقمة العزلة والوحدة. ويمكن أن يفضي الاكتئاب إلى الانتحار.
الاضطرابات السلوكية
إن الاضطرابات السلوكية أكثر شيوعاً بين المراهقين صغار السين مقارنة بالمراهقين الأكبر سناً. ويتصف اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) بوجود صعوبة في إيلاء الاهتمام، والنشاط المفرط، والتصرف دون الاكتراث للعواقب، ويحدث هذا الاضطراب لدى 3.1 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، ولدى 2.4 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. ويظهر اضطراب السلوك (الذي ينطوي على أعراض السلوك المدمر أو الصعب) لدى 3.6 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، ولدى 2.4 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. ويمكن أن تؤثر الاضطرابات السلوكية على تعليم المراهقين واضطراب سلوكهم، وقد تؤدي إلى سلوك إجرامي.
اضطرابات الأكل
عادة ما تظهر اضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية العصبي والشره المرضي العصبي، خلال فترة المراهقة والشباب. وتنطوي اضطرابات الأكل على سلوك الأكل غير الطبيعي والانشغال بالطعام، ويرافقه في معظم الحالات مخاوف بشأن وزن الجسم وشكله. ويمكن أن يؤدي فقدان الشهية العصبي إلى الوفاة المبكرة، وغالباً ما يكون ذلك بسبب مضاعفات طبية أو الانتحار، وينتجم عنه وفيات أعلى من أي اضطراب عقلي آخر.
الذهان
تظهر عادة الاعتلالات التي تنطوي على أعراض الذهان في أواخر مرحلة المراهقة أو في بداية مرحلة البلوغ. ويمكن أن تشمل أعراض الذهان حالات الهلوسة أو الأوهام. ويمكن أن تضعف تجارب الذهان قدرة المراهق على المشاركة في الحياة اليومية والتعلم، وغالباً ما تتسبب في الوصم أو انتهاكات حقوق الإنسان.
الانتحار وإيذاء النفس
إن الانتحار هو ثالث سبب للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. وتتعدد أوجه عوامل الخطر المؤدية إلى الانتحار، وتشمل تعاطي الكحول على نحو ضار، والتعرض إلى إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، والوصم الذي يمنع من التماس المساعدة، والعقبات التي تحول دون الحصول على الرعاية، وتوفر وسائل الانتحار. ويمكن أن تؤدي وسائل الإعلام الرقمية، حالها حال أي وسائل إعلام أخرى، دوراً هاماً في تعزيز جهود منع الانتحار أو إضعافها.
سلوكيات المجازفة
خلال فترة المراهقة، تبدأ العديد من سلوكيات المجازفة التي تشكل خطراً على الصحة، مثل تعاطي المخدرات أو السلوكيات الجنسية المجازِفة. ويمكن أن تشكل سلوكيات المجازفة استراتيجية غير مفيدة من أجل التعامل مع الصعوبات العاطفية، وقد يكون لها أثر وخيم على السلامة النفسية والبدنية للمراهقين.
وعلى الصعيد العالمي، بلغ معدّل انتشار نوبات الإفراط في شرب الكحول بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة 13.6 في المائة في عام 2016، علماً أن الذكور هم أكثر عرضة لذلك من غيرهم.
ويشكل تعاطي التبغ والقنب شاغلاً إضافياً، إذ يدخّن العديد من المدخنين البالغين أول سيجارة لهم قبل سن 18 عاماً. ويعد القنب أكثر المخدرات استخداماً بين الشباب، إذ يتعاطاه حوالي 4.7 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً مرة واحدة على الأقل في عام 2018.
ويمثل ارتكاب العنف سلوكاً مجازفاً ويمكن أن يزيد من احتمال تدني التحصيل الدراسي، أو الإصابة، أو الانخراط في الجريمة، أو الوفاة. وقد احتل العنف بين الأفراد المرتبة الثانية في قائمة الأسباب المؤدية إلى وفاة المراهقين الأكبر سناً في عام 2019.
التعزيز والوقاية
تهدف التدخلات الرامية إلى تعزيز الصحة النفسية والوقاية من اضطراباتها إلى تعزيز قدرة الفرد على ضبط عواطفه، وتحسين بدائل سلوكيات المجازفة، واكتساب المرونة في إدارة المواقف الصعبة والشدائد، وتعزيز البيئات الاجتماعية الداعمة والشبكات الاجتماعية.
وتتطلب هذه البرامج اتّباع نهج متعدد المستويات ينطوي على منصات متنوعة لإيصال الرسائل – مثل الوسائط الرقمية، أو مؤسسات الرعاية الصحية أو الاجتماعية، أو المدارس، أو المجتمع المحلي – واستراتيجيات متنوعة للتواصل مع المراهقين، لاسيما المراهقين الأكثر تعرضاً للمخاطر.
الكشف المبكر والعلاج
من المهم للغاية تلبية احتياجات المراهقين الذين يعانون من اعتلالات الصحة النفسية. وإضافة إلى ذلك، فإن تجنب الإيداع في المؤسسات الإيوائية والإفراط في التدخلات الطبية، ومنح الأولوية للنُهج غير الدوائية، واحترام حقوق الأطفال بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وغيرها من صكوك حقوق الإنسان، تشكل عوامل ضرورية بالنسبة إلى الصحة النفسية للمراهقين.