أُجبرت رشا، وهي سيدة حامل، وأطفالها الثلاثة، على النزوح جنوب قطاع غزة بحثاً عن مكان آمن لعائلتها.
في قطاع غزة المنكوب بالحرب، رشا أُم تبلغ من العمر 26 عاماً لديها ثلاثة أطفال وحامل في الشهر الثامن. إلى جانب النزوح، تواجه رشا تحدياً إضافياً، إذ أنها شُخصت بإصابتها بالثلاسيميا، وهو اضطراب دموي يؤثر على كيفية إنتاج جسمها للهيموغلوبين.
كانت رشا تعيش مع عائلتها في شمال قطاع غزة، وتعرضوا للقصف المستمر منذ بداية الحرب. كل هذا، إضافةً إلى نقص الغذاء والمستلزمات الأساسية وتناول الطعام مرة واحدة في اليوم والاعتماد على البقوليات والمعلبات مثل العدس والفاصوليا.
لقد كان الحصول على الحد الأدنى لأطفالها الصغار تحدياً يومياً كبيراً، إذ كانوا يكافحون من أجل إيجاد بعض الضروريات الأساسية، محاولين البقاء على قيد الحياة بأقل القليل. تقول رشا: “عندما تبقت لدي عبوة واحدة فقط من الحليب الصناعي، لجأت إلى وضع ملعقة واحدة فقط في الزجاجة الكاملة لطفلي الأصغر، بما يسمح له بشم رائحة الحليب قبل شربه”. كما كانت رشا تُقنن إستخدام الحفاضات أيضاً، مُحددة استخدامها لفترة الليل فقط مما استوجب الإنتباه الشديد أثناء النهار حيث لم تكن تستخدم الحفاضات بالنهار. لقد كان لهذا الوضع أثراً سلبياً على صحة الأطفال، وتسبب لهم بالإسهال وفقدان الوزن.
لقد أُجبرت العائلة من قبل على الفرار خلال هذا التصعيد، قبل أن تُضطر مرة أُخرى لمغادرة مدينة غزة نتيجةً للقصف. لقد عاش الأطفال، وأعمارهم 7 و5 و3 سنوات، في خوف وقلق دائمين، وتحطمت أحلامهم بفعل صوت الضربات الجوية والدبابات. واتخذت العائلة القرار الصعب باللجوء إلى جنوب قطاع غزة، مخلفةً وراءها بيتها وذكرياتها.
وبينما كانوا يستعدون للشروع في هذه الرحلة المجهولة، إضطُرت رشا وزوجها للتعامل مع مخاوف أطفالهما: “ماذا عن ملابسنا وألعابنا؟ لماذا علينا أن نرحل؟ إلى أين سنذهب؟”، فوعدوهم بملابس وألعاب جديدة بعد الحرب، آملين، أثناء محاولتهم تهدئة أطفالهم، أن يجعلوا تلك الوعود حقيقة واقعة. وتضيف رشا: “أوضحنا لهم ببساطة أننا نبحث عن مكان آمن للحفاظ على سلامتنا جميعاً”.
لقد كانت الرحلة إلى الجنوب مثل الهبوط إلى الجحيم. تقول رشا: “سرنا ومن حولنا مشاهد صادمة لم نكن لنتخيلها في أسوأ كوابيسنا، لم يكن مسموحاً لنا أن نتوقف، وفي ذات الوقت لم نكن قادرين على مساعدة الأشخاص المصابين الذين التقيناهم في طريقنا”.
قالت رشا: “لقد خرجت حاملة حقيبة يدوية فقط تحتوي على جوازات السفر والخبز وزجاجة ماء للأطفال”. كان هذا الشيء الوحيد الذي إستطاعت رشا أخذه معها. بدأت رحلة رشا وعائلتها الساعة 11 صباحاً متوجهين إلى بيت والديها في خانيونس. كانت الشوارع مزدحمة والدبابات وجنود الاحتلال في كل مكان على الطريق، مما دب الرعب في قلوب كل أولئك الذين تركوا خلفهم بيوتهم وحياتهم بحثاً عن الأمان.
تقول رشا: “كان أطفالي يشعرون بالرعب، يسيرون مطأطئي الرؤوس وهم يبكون والموت يحيط بهم من كل جانب”.
بالنسبة لرشا، الحامل والمصابة بالثلاسيميا، تطلبت كل خطوة جهداً بدنياً كبيراً، إذ كانت أقراص الحديد التي تحتاجها قد نفذت. لقد كانت مجهدة، وشعرت بالقلق الشديد عندما لم تشعر بحركة جنينها. وأضافت رشا: “لقد زاد الألم المستمر وفقدان الوزن هماً إضافياً إلى قلقي، ومع عدم وجود أطباء لإستشارتهم، أصبح الوضع غاية في الصعوبة”.
كانت لحظة وصول رشا وأطفالها إلى منزل والديها في خانيونس لحظة ارتياح حلوة ومرة في ذات الوقت. فقد إطمأنت بأنها إذا لم تتمكن من الوصول إلى المستشفى في حالة ولادتها، فإن عائلتها ستساعدها خلال هذه المرحلة. تقول رشا: “إنه ليس بالوضع المثالي أبداً، لكن مع إنعدام إمكانية الوصول إلى رعاية طبية، يصبح هذا الأمر خياراً محتملاً. هذه هي الحقيقة القاسية عندما لا تكون هناك إمكانية وصول إلى الرعاية الطبية”.
تصف ابنتها ميمي البالغة من العمر 7 سنوات الرحلة من الشمال إلى الجنوب بأنها تجربة مرعبة. “كان الأمر مخيفاً. رأيت جميع المنازل مدمرة والناس أموات في الشوارع. كانت مشاهدة الدبابات حولنا هي أكثر ما أرعبني. منظر الدبابات فعلاً مخيف”. عندما لا تكون ميمي مختبئة من صوت القصف، فإنها تحب الرسم. قالت ميمي أن رسوماتها الآن تستند إلى ما تراه: الدبابات والطائرات والشهداء: “أريد أن أرسم أشياء مفرحة مثلما كنت أفعل في السابق، لكن لم يعد هناك شيئ مفرح”.
تتمنى ميمي أن تنتهي الحرب وأن يتمكنوا من استعادة حياتهم السابقة، “كنت أرسم الزهور والشمس وعائلتي. أتمنى أن أعود إلى بيتنا لأعيش بأمان وسط عائلتي”.
المصدر: اليونيسف