تعتبر تربية الأطفال واحدة من أكثر المسؤوليات صعوبة، رغم أنها تعد الأكثر متعة للوالدين، فحبهما غير المشروط لأطفالهم يعزز ثقة هؤلاء الأطفال بأنفسهم ويساعدهم على النجاح والازدهار في المستقبل؟
وأطفالك لن يبقوا أطفالا للأبد.. لن تتخيل مدى السرعة التي تمر بها الأيام. يكبر الأبناء ويتركوننا بسرعة خيالية حتى دون أن ندرك، لذلك يمكننا الحرص على الاستمتاع بهذه اللحظات قبل أن يكبروا وتصبح لديهم حياتهم الخاصة.
فإذا كانت طفولة أبنائنا غير سعيدة، ولم تتم تلبية حاجاتهم العاطفية من جانب القائمين على رعايتهم، سواء بالإهمال أو الرفض أو إساءة المعاملة، سيكون لها تأثير عميق وطويل الأمد في جميع مجالات الحياة.
فلماذا يحتاج الطفل أن يسمع من والديه كلمات تؤكد له أنه محبوب، وما التأثيرات التي تنعكس على حياة الفرد كشخص بالغ عندما تكون لديه طفولة غير محبّبة؟
محبوب من دون قيد أو شرط
لا شيء يؤدي إلى الفرح مثل التواصل مع أفراد أسرتك، وتنمية العلاقات وتقوية الروابط معهم، فقضاء الوقت مع الأشخاص الذين تحبهم من أسهل طرق تنمية السعادة.
وفي هذا الصدد تؤكد المتخصصة في علم نفس الأطفال الدكتورة أسماء طوقان أن الطفولة لها تأثير على مرحلة البلوغ، لذلك فإن الندوب الناجمة عن شعور الطفل بأنه غير محبوب، ستؤثر على كل مجال من مجالات حياته تقريبا.
وتقول إنه عندما لا تُلبى حاجات الطفل العاطفية في مرحلة الطفولة، يتشكّل نموه وشخصيته وفق ذلك. فمثلاً، الخوف الدائم من الهجر، وأنماط التعلق غير الصحية في مرحلة البلوغ، قد يكونان نتيجة لعدم شعور الشخص بالأمان أو الثقة وبأنه محبوب من دون قيد أو شرط في مرحلة الطفولة.
وتضيف: “يحصل الطفل على مساعدة والديه ليتعرف على مشاعره والتعبير عنها في بيئة آمنة. لذلك، فإن غياب حب الأهل ودعمهم في هذه المرحلة سيؤثر سلبا على إمكانية الطفل في التعبير عن مشاعره بالطريقة المثلى”.
وإذا لم يحصل الشخص على الحب والمودة كطفل -وفق طوقان- فإنه يكبر وهو يشعر بالفراغ الدائم الذي يسعى دائما إلى ملئه، مع عدم وجود وقت للتركيز على أحلامه أو أهدافه أو حياته.
وعندما يصبح الطفل بالغا -وفق المتخصصة طوقان- فإما أنه سيغلق مشاعره تماما، أو سيعبر عنها بطريقة مبالغ فيها وغير منضبطة.
فكيف يمكن لمن فاته أن يعيش طفولة محببة أن يعوضها بطريقة إيجابية؟ هذا ما عليه فعله حسب المتخصصة طوقان:
- البدء باتخاذ خطوات إيجابية لتبني سلوكيات صحية، تجاه ذاته.
- تعويض “الطفل الداخلي” في الشخص نفسه عبر التعاطف الذاتي، لتعويض ما افتقده من الحب والحنان في طفولته.
- تنمية الانضباط الذاتي ومعرفة كيفية وضع حدود صحية تساعد في تجاوز الألم الذي عانى منه في طفولته.
- إيجاد إحساس داخلي قوي بالذات لملء الفراغ والعيش حياة سعيدة ومرضية.
- التحدث إلى معالج نفسي، ليساعدك على العلاج والتخلص من معاناتك.
نصائح للشفاء في مرحلة البلوغ
يجب البحث عن الفرص اليومية لتجربة الشفاء من جروح الطفولة. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها التعافي من الشعور بعدم الحب كطفل، ومنها:
- تعلم المحفزات الخاصة بك.
- الانخراط في دعم الطفل بداخلك.
- ممارسة الرعاية الذاتية وحب الذات.
- استخدام ماضيك لمعرفة ما تفعله وما لا تريده في الحياة.
- كتابة اليوميات أو قراءة كتب التنمية الذاتية (البشرية) التفاعلية.
- إعادة صياغة المعتقدات الداخلية بشكل إيجابي (مثل: “أنا ابنة غير محبوبة” إلى “أنا أستحق الحب كشخص بالغ”).
- بناء المجتمع ضمن مجموعات الدعم مع الأشخاص الذين يشاركون تجارب مماثلة.
- التحلي بالصبر واللطف مع نفسك خلال عملية الشفاء.
وتقول نانسي بالوما كولينز، متخصصة في إصلاح العلاقات الزوجية والأسرية في ولاية كاليفورنيا، إن “التحقق من صحة طفلنا الداخلي والألم الذي عانينا منه عندما كنا أطفالاً لا يقتصر على الشفاء وحسب، بل يساعد أيضا في التمكين. ثق في العملية وتقبّل أن الشفاء مستمر”.
من جهتها، ترى المتخصصة في “علم النفس العيادي” كارلا ماري مانلي، أن العلاج الفردي طريقة مثالية للبدء، لكن العلاج الجماعي عن طريق طبيب ماهر رائع أيضا، حيث يستفيد المشاركون من الطاقة الرابطة لتجارب الآخرين.
وتقول: “تذكر أن القيام بالعمل قد يكون صعبا، لكن النتيجة تستحق العناء. وعلى الرغم من أن الرحلة قد تبدو طويلة وحتى مستحيلة، فإنك تستحق الشفاء من الداخل إلى الخارج حتى تتمكن من عيش حياتك بشكل أفضل”.