أثناء زيارته الثانية لقطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر قال جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن الحرب في غزة “حطمت سجلات الإنسانية في أحلك فصولها”، وشدد على الحاجة الملحة لأن تكتب الإنسانية فصلا مختلفا.
هذا ما قاله للصحفيين في جنيف، متحدثا من غزة عبر تقنية الفيديو وسط أصوات القصف التي دفعته إلى التوقف عدة مرات عن الحديث للحظات. وأضاف أنه منذ زيارته الأخيرة للقطاع قبل نحو 3 أشهر “كل إحصاء مروع يواجه الأطفال والأسر والمدنيين ارتفع بشكل كبير”.
وقال إلدر إن مدينة رفح “لا يمكن التعرف عليها على الإطلاق” فيما يعيش الناس في ظروف مزرية وينامون في الشوارع المزدحمة. وقال إن هناك مرحاضاً واحداً لكل 850 شخصاً تقريباً، ويضرب هذا الرقم بأربعة عندما يتعلق الأمر بالاستحمام، حيث يوجد حمام واحد لكل 3600 شخص.
وقال: “هذا تجاهل مروع لأبسط احتياجات الإنسان، وبالطبع الكرامة الإنسانية”.
دمار شامل
مدينة خان يونس المجاورة ليست أفضل حالا، وفقاً للمتحدث باسم اليونيسف الذي قال إن المدينة “بالكاد لم تعد موجودة”.
وأضاف: “خلال السنوات العشرين التي قضيتها في الأمم المتحدة، لم أشهد قط مثل هذا الدمار. فوضى وخراب، وحطام وأنقاض، في كل اتجاه، في كل مكان أنظر إليه، في كل شارع. دمار شامل”.
وحذر السيد إلدر من عواقب أي هجوم عسكري واسع النطاق على رفح، حيث قال: “رفح مدينة الأطفال. هناك 600 ألف فتاة وفتى موجودون هنا”. وذكر أن الوصف الصحيح لأي عملية واسعة في المدنية هو “اعتداء”، مذكرا أنها موطن لبعض آخر المستشفيات والملاجئ وشبكات المياه المتبقية في غزة.
بطون خاوية في الشمال
قال المتحدث باسم اليونيسف إنه تمكن يوم أمس من زيارة جباليا في الشمال، حيث رأى أناساً يائسين يشيرون بأيديهم إلى أفواههم طلباً للطعام. وقال إن جهود الإغاثة تتعرض للعرقلة، مضيفا أن هناك معبراً يبعد عن هؤلاء الأشخاص عشر دقائق فقط يمكن أن يغير هذه الأزمة الإنسانية في غضون أيام، لكنه لا يزال مغلقا. وقال إن المجاعة الوشيكة في غزة يمكن التنبؤ بها تماما، ويمكن الوقاية منها، وهي من صنع الإنسان ويمكن عكسها “إذا تم اتخاذ القرارات الصحيحة”.
وأضاف: “دعونا نكون واضحين. تتم عرقلة المساعدات المنقذة للحياة، وتفقد الأرواح، وتُسلب الكرامة”.
وقال السيد إدلر إن الأمل واليأس (وهما متضادان) يتجليان بصورة كبيرة في غزة. وأضاف: “بشكل متكرر يُقال ما لا يوصف في غزة، من فتيات مراهقات يقلن إنهن يأملن لو يُقتلن لينتهي كابوسهن، إلى طفل يُقال له إنه آخر فرد على قيد الحياة في أسرته. لم يعد هذا الرعب فريدا في غزة. في خضم كل هذا، يواصل العديد من الفلسطينيين الشجعان والكرماء الذين لا يكلون، دعم بعضهم البعض بكل ما لديهم”.
حصار كامل
وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) قد حذرت من وقوع مجاعة وشيكة في غزة “في أي وقت بين الآن وحتى شهر أيار/ مايو” في شمال القطاع، وذلك في أعقاب أحدث تقرير للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.
وتشير بيانات التقرير إلى أن “جميع سكان” غزة – حوالي 2.3 مليون شخص – يعانون من مستويات عالية من “انعدام الأمن الغذائي الحاد”. ومن بينهم، أكثر من 1.1 مليون شخص يعانون من “جوع كارثي”، المعروف باسم المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل.
وفي حديثه من القاهرة إلى المؤتمر الصحفي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، أكد عبد الحكيم الواعر، مساعد المدير العام لمنظمة الفاو والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، أن شمال قطاع غزة “لا يزال محاصرا بالكامل ولا يمكن الوصول إليه”.
وردا على أسئلة الصحفيين حول تعليقات السياسيين الإسرائيليين التي تدحض فكرة المجاعة في غزة، أصر السيد الواعر على أنه “بالتأكيد، لدينا ما يكفي من الأدلة التي تظهر استمرار تفشي الجوع الشديد وانعدام الأمن الغذائي الحاد والشديد، ونقص الإمدادات الغذائية الرئيسية والمياه”، مؤكدا أنه يتعين على الذين يزعمون خلاف ذلك تقديم الأدلة.
وقال الواعر: “هناك حالات وفاة نتيجة للجوع، وهذه هي المؤشرات المبكرة للمجاعة. آمل ألا ننتظر الإعلان الكامل عن المجاعة لأن الوضع كما هو الآن يستدعي التحرك، وهو ما طال انتظاره”.