أديل خضر المديرة الإقليمية لليونيسف:
‘تستمر الحرب في قطاع غزة منذ ما يقرب من ستة أشهر، مخلفة وراءها سلسلة من المذابح والدمار لم تشهدها المنطقة في السنوات الأخيرة.
لقد قُتل وتشرد آلاف الأطفال، ولا يزال البؤس مستمراً كل يوم. ومع تساقط القنابل باستمرار من السماء، يسيطر سوء التغذية على أجساد الصغار الهشة.
أولئك الذين كانوا محظوظين بالبقاء على قيد الحياة يعيشون في ظروف لا يمكن تصورها. هناك أكثر من 1.7 مليون شخص – نصفهم من الأطفال – نازحون داخلياً، محشورون في ملاجئ مكتظة دون إمكانية الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي والغذاء.
ويتسبب هذا النقص في الاحتياجات الأساسية في خسائر فادحة. وتنتشر أمراض مثل الإسهال بسرعة، وخاصة بين الأطفال الصغار، في حين تكافح مرافق الرعاية الصحية القليلة المتبقية للتعامل مع تدفق الإصابات. ويكون التأثير النفسي عميقا بالقدر نفسه، إذ يعاني الأطفال من الصدمة بسبب القصف المتواصل، والكوابيس الدائمة، والقلق، والشعور باليأس.
إن سوء التغذية يدمر قطاع غزة ويطارد الفئات الأكثر ضعفا. وتضاءلت الإمدادات الغذائية الأساسية، ودمرت الأسواق، والأسر تبحث بيأس عن بقايا الطعام لحماية أطفالها من الجوع، كل ذلك في حين أن المساعدات الكافية، المتوفرة على بعد بضعة كيلومترات فقط، بعيدة عن متناولهم.
في الأسابيع الماضية، بينما كان الملايين في المنطقة يحتفلون بشهر رمضان محاطين بأحبائهم وطعام وفير، عاشه سكان غزة وسط القنابل والحداد على الأسرة المفقودة والتشريد والجوع والعطش. إن الصيام بالنسبة لهم هو مجرد امتداد للجوع الطويل الذي واجهوه منذ أشهر. يتكون الإفطار اليوم في غزة في أغلب الأحيان من قطع قليلة من الخبز وكمية محدودة من المياه النظيفة، إذا كانت متوفرة.
ويدفع النقص الحاد في الغذاء، لا سيما في الشمال، الأسر والأطفال إلى حافة اليأس. لقد شهدنا أطفالًا يجوبون الأرض يوميًا بحثًا عن العشب، ويحفرون التربة بحثًا عن شيء يعودون به إلى المنزل ويدعمون أسرهم. وكشفت المحادثات مع الأمهات الجدد عن معاناتهن، حيث أنهن غير قادرات على الرضاعة الطبيعية أو رعاية أطفالهن بشكل كاف بسبب افتقارهن إلى التغذية. فكيف يمكنهم إعالة أطفالهم وهم أنفسهم بالكاد يعيشون على وجبة واحدة في اليوم؟
ونتيجة لذلك، فقد أكثر من 20 طفلاً، معظمهم من الأطفال، حياتهم بشكل مأساوي بسبب سوء التغذية والجفاف، مما يعيد ذكريات المجاعات الماضية، ويدفع إلى التفكير فيما إذا كان العالم قد تعلم من تاريخه. والحقيقة هي أن هذه المعاناة لا تزال تتكشف تحت أنظار العالم أجمع.
ويمكن الوقاية من هذه الوفيات. يمكن علاج سوء التغذية، لكن الحرب والقيود المفروضة أعاقت بشدة قدرة الوكالات الإنسانية على تقديم المساعدات المنقذة للحياة.
وتُظهر البيانات الأخيرة اتجاهاً مقلقاً نحو ارتفاع معدلات سوء التغذية، والتي تتصاعد بشكل كبير. واليوم، يواجه جميع سكان غزة (2.2 مليون نسمة) مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع توقع أن نصف هؤلاء السكان يدخلون في المرحلة الأكثر خطورة من انعدام الأمن الغذائي الكارثي – بزيادة قدرها 530,000 شخص (92 في المائة) مقارنة بـ التحليل السابق.
وفي شمال قطاع غزة، تضاعفت معدلات الأطفال الذين يواجهون سوء التغذية الحاد من طفل من بين كل ستة أطفال (تحت سن الثانية) في يناير/كانون الثاني، إلى طفل من بين كل ثلاثة أطفال اليوم. كما تضاعف المعدل في رفح من 5 في المائة إلى 10 في المائة. وتلوح في الأفق مجاعة وشيكة، مما يعرض حياة الآلاف من الشباب للخطر. وإذا استمر الوضع المزري الحالي، فمن المتوقع أن تتدهور الأمور بشكل كبير، مما يؤدي إلى ارتفاع محتمل في وفيات الأطفال التي يمكن الوقاية منها.
ويجب على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن. هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لدعم القانون الدولي وحماية الأطفال وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق لتوصيل الإمدادات الحيوية إلى غزة وعبرها.
ويتعين على الدول الأعضاء أن تثبت التزامها بحماية الأطفال والمدنيين، وذلك باستخدام أصواتها في مختلف المحافل الدبلوماسية وفي مجلس الأمن من أجل وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين.
ونحن بحاجة إلى أولئك الذين يتمتعون بنفوذ على أطراف الصراع للضغط من أجل التغيير على أرض الواقع، وخاصة من أجل الأطفال، نحن بحاجة إلى رؤية جميع المعابر البرية إلى غزة مفتوحة. نحن بحاجة لرؤية المزيد من المساعدات القادمة من جميع الموانئ. ويجب توفير الأمن لضمان التوزيع الآمن للمساعدات على كل من يحتاج إليها، وخاصة الفئات الأكثر ضعفا.
هذه ليست مجرد أزمة إنسانية؛ إنها مسألة أخلاقية. إنه اختبار لإنسانيتنا وقدرتنا على إنقاذ حياة الأطفال. إن الفعل أو عدمه سيكون له عواقب على المستقبل وسيحكم التاريخ على أفعالنا الجماعية.
وفي هذه المرحلة، يواجه العالم قراراً: إما أن يظل شاهداً سلبياً على أطفال غزة الذين يقعون ضحايا للجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها، أو أن يتخذ إجراءات حاسمة عاجلة دون مزيد من التأخير لتخفيف معاناتهم ومنحهم الفرصة للمستقبل الذي يستحقونه. إنهم يعتمدون علينا”.