يقضي أطفالنا ربع يومهم على الأقل في المدرسة، بعيداً عن الأمان الذي يوفّره لهم البيت والأسرة، ويشعر كثيرون منهم أن الضغوط التي يتعرّض لها في المدرسة أكبر من قدرتهم على التحمّل.
إن غرض التربية الأساسي الذي نسعى للوصول إليه وتحقيقه، هو إيجاد وتطوير بعض القدرات الطبيعية والعقلية والروحية عند الطفل، حسب شروطه الخاصة، التي تتلاءم مع قدراته، وما يريد لنفسه وشروط المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه.
لذا يجب ان نبتعد عن استعمال أساليب الضغط قدر الإمكان، وأن نعمل بكلِّ ما في وسعنا في تنمية وتطوير مواهبه، بالطرق الملائمة، حتى يستطيع الحصول على مستوى تعليمي جيد.
ولكي تصل المدرسة الى وضع قائم على التفاهم مع الأسرة وحبّ تعاون المعلّم والمدير، وجميع الطاقم الذي يعمل فيها، حتى يكون الانسجام والتفاهم في عمل البيت والمدرسة اليومي، من خلال قيام كل جانب بواجبه مع الإستمرار في المحافظة على العلاقة، والإتصال بينهم.
وعليه فإن المدرسة تقوم بالتربية الصالحة والتعليم الصحيح، وتربّي عقل الطالب، وتقوم بنفس الوقت بالإهتمام بجسم الطالب وصحته من خلال التربية البدنية، وذلك حتى يتزود بالفضائل وأفضل العادات وأحسنها، حتى يكون بالإمكان تحقيق التعاون بين الأسرة والمدرسة، لا بد للأهل أن يطّلعوا على حقيقة عمل المعلم، ويؤمنون به، ويتّبعوه ويساعدوه، واذا تمّ هذا التعاون والتفاهم تمّكنوا من إتمام ومتابعة دروسهم والواجبات التي تفرض عليهم، ولكي يتحقّق هذا التعاون على أفضل وجه، يجب أن تكون هنالك اتصالات دائمة ومستمرة بين الأهل والمدرسة، واتصال بين المدرسة والاهالي، اي يجب ان يكون الإتصال في مثل هذه الحالة من نوع الإتصال الذي يسير في اتجاهين ويكون إيجابياً.
ان فشل الأركان الأساسية في العملية التعليمية، سينشأ عنه الإنهاك النفسي والجسدي، وهو ما يعرف بالضغط النفسي الذي ينتج عن الشدائد، وعن أحداث الحياة اليومية التي يقيمها الطالب، بأنها تتجاوز قدراته ومصادره.
مراحل التكيف مع الضغط النفسي:
ان استجابة الجسم نحو أي متطلب من متطلبات البيئة، تتكون من ثلاث مراحل أساسية :
المرحلة الاولى: مرحلة التحذير او الصدمة Alarm stage: حيث تنشط الأجهزة العضوية لمواجهة التهديد بإفراز هرمون الادرينالين، وتسارع التنفس ونبضات القلب، وتضع نفسها في حالة الإستعداد للقتال او الهرب.
المرحلة الثانية مرحلة المقاومة Resistance stage: حيث تعمل الأجهزة العضوية على الدفاع عن نفسها تجاه مصدر التهديد، فيزيد الجسم مقاومته ببذل جهد أكبر.
المرحلة الثالثة :وهي مرحلة الإنهاك Exhaustion stage: عند فشل العضوية في التغلب على التهديد الذي يسبّبه الضغط النفسي المتواصل، وعندما تستهلك الأجهزة العضوية مصادرها الفيزيولوجية، في هذه المحاولة يؤدّي ذلك الى الإنهيار الإنفعالي أو الجسمي، وقد ينتج عن ذلك الدخول الى المستشفى أو محاولة الإنتحار وقد يصل الأمر في حده الأقصى الى الوفاة.
طبيعة الاستجابة للضغط النفسي:
احتمالات الإستجابة للضغط النفسي متعددة؛ وتتضمن نتائج انفعالية وسلوكية ومعرفية وفسيولوجية، وتتجلّى الاستجابات الإنفعالية في الإضطراب الإنفعالي: كالخوف، الغضب، الاكتئاب والشعور بالذنب . كما تتجلّى الاستجابات السلوكية في السلوكيات الحركية كالإرتجاف ، وزيادة التوتر، واضطراب الكلام، واختلاف تعبيرات الوجه، والهرب، والهجوم، والعدوان.
اما الاستجابات المعرفية فتتضمن التغيرات في كافة الوظائف المعرفية كالإدراك والقدرة على الحكم، وحلّ المشكلات والمهارات الحركية والإدراكية، والتكيّف الاجتماعي وإساءة تفسير الواقع . ويشمل الإحتمال الرابع للاستجابات التغيرات الفسيولوجية، ومنه استجابات الجهاز العصبي المستقل، واستجابات القلب، والجهاز التنفسي والغدد العقلية والغدة الادرينالية واستجابة الجلد، ودرجة حرارته وضغط الدم ومعدل دقات القلب.
مظاهر الضغوط النفسية المدرسية:
من أهم مظاهر الضغوط النفسية التي يتعرض لها الطالب في المدرسة:
1- القلق: وهو حالة توتّر شامل ومستمر، نتيجة تهديد خطر فعلي او متخيل الحدوث، ويصاحبها خوف غامض وأعراض بدنية .
إن حالة القلق النفسي، ظاهرة شائعة عند الطلبة، وتضمن أعراضا مختلفة منها :التهيّج, البكاء, الصراخ, سرعة الحركة, التفكير الوسواسي, الأرق, الأحلام المرعبة, فقدان الشهية, التعرّق, الغثيان، صعوبات التنفّس والتقلصات اللاإرادية . ولعل أبرز مثال يوضّح ما يعانيه الطفل من قلق، هو ما ينتاب بعض الأطفال من مشاعر قبل الإمتحانات أو عند الذهاب في رحلة مدرسية بعيداً عن الوالدين، أو عند مرض الأم أو ولادتها، إذ ينتابهم الخوف الشديد من خطر محدق لا مبرر له ولا يتلاءم مع حجم او مستوى الحدث، وغالبا ما يرافق حالة القلق النفسي هذه أعراض بدنية وإضطراب في الوظائف الحيوية.
أسباب القلق :
– فقدان الشعور بالأمن : القلق المزمن هو نتيجة لإنعدام الشعور بالأمن ، والشكوك حول الذات ، ويمكن أن يتم إسقاط الشعور بالقلق على أاي شيء وربطه به ، ومن أهم العوامل التي يمكن أن تسهم في فقدان الشعور بالأمن هو:
– النقد الزائد للطفل من قبل الراشدين والرفاق، مما يؤدّي الى توتره وفقدان ثقته بذاته.
– عدم ثبات الآباء والمدرّسين في مواقفهم وتعاملهم تجاه الطفل.
– توقّع الراشدين للكمال الزائد من الطفل.
– إهمال الراشدين للطفل.
2- احلام اليقظة:
يمكن تعريف أحلام اليقظة على أنها :إنغماس الشخص بالأحلام في وقت غير مناسب، على نحو يتضمّن عدم القدرة على التركيز. إن أحلام اليقظة تمكّن الطالب من التخفيف من معاناة الإنفعالات السلبية والتطرق الى الاهتمامات التي قد يعجز عن مجرد الإشارة اليها في حياته الواقعية، فتظهر في تخيلاته عدوانية ، كانت عرضة لكبت مطلق يمنعها من الإنطلاق.
3- الهرب من المدرسة:
من المشكلات الأخرى التي تلاحظ عند الطلبة نتيجة الضغوط النفسية، هي ميل البعض منهم الى الهَرَب من المدرسة ؛ فلماذا يهرب الطالب من المدرسة وكيف يمكن الحد من ذلك ؟.
يُعَرّف الهرب من المدرسة بأنه حالة يتعمّد فيها الفرد الذي يتراوح عمره بين 6 و 17 سنة التغيب عن المدرسة دون عذر قانوني، ودون موافقة الأبوين أو المسؤولين في المدرسة. وعادةً ما تقترن كثرة التغيّب عن المدرسة وزيادة احتمال الجنوح .
اسبابها :
1- اتجاهات الأبوين اللامبالية نحو المدرسة، وعمل الأم أحيانا، وفي هذه الحالة غالباً ما يكون الطالب من أسر مفككة .
2- صعوبات التحصيل والقلق المرتبط بالواجبات المدرسية، التي يعدها الطالب صعبة .
3- قد يكون بعض الطلبة متفوقين عقليا على زملائهم، ولذا فهم يبتعدون عن المدرسة لأنهم يجدون الدروس مملّة وغير ممتعة.
4- الخوف من العنف في المدرسة، او لأن الطالب يستعمل العقاقير، أو يذهب باحثا عن المغامرة ، الا أن الطالب الذي يكثر من التغيّب عن المدرسة، غالبا ما يكون هاربا من أمر ما أكثر منه باحثا عن المتعة.
5- عدم حبّ التلميذ للمعلم أو للمادة الدراسية.
6- الامتحانات وصعوبتها وتكرارها، والاسلوب الذي تطبّق به، قد يؤدّي الى الهروب من المدرسة، والبحث عن مكان آخر.
7- انشغال التلميذ بمشكلة أسرية، شخصية، اجتماعية، اقتصادية او نفسية.
8- سوء الظروف المدرسية؛ كعدم توفّر الإضاءة والتدفئة شتاءّ أو التكييف صيفاً.