الغضب ليس شعورًا عابرًا كما نعتقد؛ إنه استجابة فسيولوجية ونفسية معقّدة تنشأ عندما نشعر بأن شيئًا ما يهدد حدودنا أو قيمنا أو إحساسنا بالعدالة. ورغم أن الغضب عاطفة إنسانية طبيعية، إلا أنه يصبح عبئًا ثقيلًا عندما يفقد الشخص القدرة على إدارته.
عندما نغضب، يرسل الدماغ إشارات تجعل الجسم يدخل حالة “الاستنفار”. ترتفع ضربات القلب، تتوتر العضلات، ويبدأ الأدرينالين بالتدفق. هذا التحوّل السريع يمنح الإنسان قوة ورد فعل أسرع، وكأنه يستعدّ للدفاع عن نفسه. لكن هذا الاستعداد المفاجئ له ثمن؛ فالغضب المتكرر أو الحاد يرهق الجهاز العصبي ويستنزف طاقة الجسم.
نفسيًا، يغيِّر الغضب طريقة تفكيرنا. يضيق مجال الرؤية العقلية، وتزداد الأحكام المتسرعة، ويضعف التحكم في الكلمات والسلوك. وغالبًا ما تأتي لحظة الهدوء محمّلة بالندم، ليس لأن المشاعر لم تكن حقيقية، بل لأن طريقة التعبير عنها لم تكن صحّية.
ولذلك، فإن إدارة الغضب لا تعني كبته، بل فهم جذوره وتعلّم مهارات للتعامل معه بوعي: التنفّس العميق، تأجيل الرد، إعادة تقييم الموقف، أو حتى الانسحاب المؤقت. فالعاطفة التي قد تهدم الكثير في دقيقة، قد تكون بوابة للنضج إذا استطعنا احتواءها بدل الانقياد لها.
في النهاية، الغضب ليس عدواً إذا عرفنا كيف نصادقه. إنه رسالة من داخلنا… والأهم هو كيف نقرأها.
